حين يصبح التعذيب “سيادة”: قراءة في خبر العقوبات الأمريكية على وزير الداخلية

2025-12-20 - 11:26 م

مرآة البحرين: في 18 ديسمبر 2025، أعلنت منظمة هيومن رايتس فيرست الأمريكية تقديم ملف رسمي إلى الإدارة الأمريكية، تطالب فيه بفرض عقوبات مستهدفة وزير داخلية البحرين راشد بن عبدالله آل خليفة، استنادًا إلى قانون غلوبال ماغنيتسكي والبند 7031(c)، بسبب دوره في الإشراف على التعذيب الممنهج والمعاملة القاسية واللاإنسانية داخل السجون البحرينية.

الملف استند إلى تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، ووزارة الخارجية الأمريكية، ومنظمات حقوقية دولية، وثّقت استمرار التعذيب بعد عام 2011، وغياب المساءلة، ووقوع وفيات في الحجز نتيجة الإهمال الطبي، إضافة إلى استمرار اعتقال سجناء سياسيين بارزين رغم تقدمهم في السن وتدهور أوضاعهم الصحية. وطالبت المنظمة بتجميد أي أصول محتملة للوزير داخل الولايات المتحدة وفرض حظر تأشيرة عليه باعتباره مسؤولًا متورطًا في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.


هذا هو الخبر بلا زينة، ومن دون مجاملات دبلوماسية، وبالنسبة للبحرينيين، هذا الخبر لا يُشبه الصدمة، بل يمثل تأخر العدالة عن موعدها بسنوات طويلة. الجديد ليس التعذيب، ولا السجون، ولا الأسماء، بل إن النظام الذي اعتاد تسويق القمع كوسيلة لـ"حفظ للأمن" بدأ بالظهور في الخارج باسمه الحقيقي: جهاز تعذيب منظم.

هو وزير داخلية منذ عام 2004، واحد وعشرون عامًا من السلطة المطلقة على جهاز أمني تضخم بشكل فاحش. إنكار التعذيب هنا ليس كذبًا فقط، بل إهانة للعقل، من يحكم جهازًا قُتل فيه سجناء، وعُذّب فيه آلاف الضحايا ولم "يعلم" بذلك، فهو إما أعمى سياسيًا أو شريك كامل، وفي الحالتين هو شخص لا يملك الأهلية لهذا الموقع الحساس بل ويستحق مساءلته.

كل ما جرى منذ 2011 يفضح كذبة "التجاوزات الفردية"، التعذيب كان سياسة، لا انفعالًا. كان أداة، لا خطأ. الاعترافات تُنتزع بالعنف النفسي والجسدي، المحاكمات تُبنى على اعترافات غير قانونية، والسجون تُدار كغرف كسر إرادة، لا مراكز إصلاح. ومع ذلك، لم يُحاسَب أحد. لماذا؟ لأن آل خليفة هم الدولة، وهم القانون، وهم الحصانة!

النظام الذي يصرخ اليوم عن "السيادة" هو نفسه الذي فتح سيادته للقواعد العسكرية، وللاستخبارات الدولية، وللتحالفات الأمنية. السيادة تُستدعى فقط حين يصل السؤال إلى غرفة التعذيب. حينها تصبح السيادة مقدسة، والضحية خائنًا، والجلاد موظفًا يؤدي واجبه.

أما مسرحية "الإصلاحات"، فهي أكثر ما يثير السخرية. دكاكين حقوق إنسان رسمية وظيفتها الوحيدة هي نفي ما يعرفه الجميع. كل ذلك لم يُنشأ لحماية الإنسان، بل لتخدير الحليف الغربي.

الخطير في هذا الخبر ليس العقوبة نفسها، بل كسر قاعدة غير مكتوبة: "عناصر الأمن في البحرين خارج الحساب". لذا، حين يُذكر اسم وزير، لا ضابط صغير، فهذا يعني أن جدار الحماية بدأ يتشقق. وهذا ما يخيف النظام أكثر من أي بيان معارض.

سيخرج الرد الرسمي متوقعًا: تسييس، افتراء، مغالطات. لكن النظام لن يجيب عن السؤال الجوهري: لماذا يُمنع التحقيق الدولي المستقل؟ ولماذا تُغلق السجون أمام المقررين الأمميين؟ ولماذا يُكافأ المسؤول بدل محاسبته؟

الخبر لا يعني أن العدالة تحققت، لكنه يعني أن زمن الإنكار المطلق يقترب من نهايته. الاستبداد لا يسقط حين تُنشر التقارير، بل حين يدرك الحُكم أن العالم بدأ يقرأها بجدية.

في البحرين، التعذيب لم يكن سرًا، بل سياسة صريحة تُمارس بثقة، لأن الحاكم كان يظن أن الحليف أعمى. فهل يعني هذا الخبر أن عيون العالم بدأت تُبصر الحقيقة؟

حين يُذكر اسم وزير داخلية في تقارير وملفات فرض العقوبات، تكون المشكلة أعمق من ظاهر الخبر، لأن الخطايا المذكورة تمس جوهر الحكم نفسه.