العيد الوطني؟ حين تحتفل العائلة ويُطلب من الشعب التصفيق
2025-12-18 - 10:52 م
مرآة البحرين : في جزيرة البحرين، لا توجد أزمة في عدد الأعياد، بل في هوية العيد نفسه. ما يُسمّى "العيد الوطني" ليس مناسبة وطنية جامعة، بل موسم احتفال خاص بعائلة حاكمة، يُطلب من شعب كامل أن يتقمّص فيه دور الجمهور، لا الشريك. الوطن غائب، والدولة تختزل نفسها في اسم واحد، وتاريخ واحد، وسردية واحدة.
العيد، كما يُقدَّم رسميًا، لا يحتفل بالناس، ولا بتاريخهم، ولا بنضالهم، ولا بتضحياتهم، بل يحتفل بالسلطة كقَدَر. لا يُستدعى المجتمع بوصفه فاعلًا، بل كديكور. لا تُستحضر الذاكرة الوطنية المتعددة، بل تُقتطع وتُهذّب وتُختصر في لحظة وصول آل خليفة إلى الحكم، وكأن ما قبلها عدم، وما بعدها فضل.
هنا تحديدًا يفقد العيد معناه. لأن الوطن ليس عائلة، والتاريخ ليس سيرة نسب، والدولة ليست ملكية خاصة تُزيَّن في ديسمبر وتُغلق أبوابها بقية السنة. حين يُختزل الوطن في الحكم، يصبح العيد إعلان ولاء لقبيلة الحاكم لا احتفال انتماء للأرض.
في كل عيد، تتكرر الرسالة نفسها: نحن الدولة، ونحن الوطن، ونحن التاريخ. أما الشعب، فعليه أن يحتفل بهذه الحقيقة، لا أن يناقشها. تُرفع الصور أكثر من الأعلام، وتُضخ الأناشيد أكثر من الحقوق، وتُلمّع الرموز أكثر مما تُلمس معاناة الناس. يصبح العيد مناسبة لتذكير المواطن بمكانه: أسفل السردية، خارج القرار، داخل الصورة فقط.
الأخطر أن هذا العيد لا يعترف بتعدد البحرين، لا بتاريخها النضالي، ولا بحركاتها الوطنية، ولا بمحطاتها المفصلية التي صنعها الناس، لا القصور. هيئة الاتحاد الوطني، انتفاضات العمال، مطالب الدستور، الحركة المطلبية، كل هذا يُمحى من الذاكرة الرسمية، لأنه لا يخدم فكرة أن الوطن بدأ حين بدأت العائلة، وينتهي حيث تنتهي مصالحها!
لهذا يشعر كثيرون أن العيد لا يعنيهم. ليس لأنهم يكرهون وطنهم، بل لأن الوطن خُطف منهم رمزيًا. كيف يُطلب من المواطن أن يحتفل بعيد لا يرى نفسه فيه؟ كيف يُطلب منه الفرح بتاريخ يُقصيه، وحاضر يُهمّشه، ومستقبل لا يُستشار فيه؟
العيد الوطني، بصيغته الحالية، لا يخلق وحدة، بل يفضح الانقسام. لأنه يُدار بعقلية الغالب والمغلوب، لا الشراكة. يُقدَّم كمنحة، لا كنتاج عقد اجتماعي. يُفرض كطقس، لا كقناعة. وهنا تتحول الوطنية إلى واجب شكلي، لا شعور حقيقي.
الدول التي تحترم شعوبها تجعل العيد مناسبة لمراجعة الذات، للاعتراف بالأخطاء، لتكريم الناس، لا لتقديس السلطة. أما حين يصبح العيد منصة تمجيد لعائلة، فذلك إعلان صريح أن الوطن ليس للجميع، بل ملحق باسم الحاكم.
لهذا، العيد الوطني في البحرين ليس بلا طعم فقط، بل بلا وطنية. لأنه لا يحتفل بالبحرين كشعب وتاريخ وهوية، بل يحتفل بآل خليفة كحقيقة نهائية. وما دام العيد عيدهم وحدهم، سيبقى احتفالهم لهم
- 2025-12-16العلامة الشيخ عبد الأمير الجمري: أيقونة المقاومة وشيخ الثورة والصمود
- 2025-12-14هل بات خلع الحجاب شرطًا وظيفيًا في طيران الخليج؟
- 2025-12-13ملف العاطلين .. فتيل الانفجار القادم في البحرين!
- 2025-12-12تخيّلات الأجهزة الأمنية: الإعلانات مصدر تخريب!!
- 2025-12-12تصنيف البحرين يهبط.. سياسات الدولة تُعمّق الأزمة